سورة المجادلة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)}
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله مَا فِي السماوات وَمَا فِي الارض} استشهاد على شمول شهادته تعالى أي ألم تعلم أنه عز وجل يعلم ما فيهما من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.
وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة} إلخ استئناف مقرر لما قبله من سعة علمه تعالى، و{يَكُونَ} من كان التامة، و{مِنْ} مزيدة، و{نجوى} فاعل وهي مصدر عنى التناجي وهو المسارة مأخوذة من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض لأن المتسارين يخلوان وحدهما بنجوة من الأرض، أو لأن السر يصان فكأنه رفع من حضيض الظهور إلى أوج الخفاء، وقيل: أصل ناجيته من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه وهي مضافة إلى {ثلاثة} أي ما يقع من تناجي ثلاثة نفر وقد يقدر مضاف أي من ذوي نجوى، أو يؤول نجوى تناجين فثلاثة صفة للمضاف المقدر، أو لنجوى المؤوّل بما ذكر.
وجوز أن يكون بدلًا أيضًا والتأويل والتقدير المذكوران ليتأتي الاستثناء الآتي من غير تكلف، وفي القاموس النجوى السر والمسارون اسم مصدر، وظاهره أن استعماله في كل حقيقة فإذا أريد المسارون لم يحتج إلى تقدير أو تأويل لكن قال الراغب: إن النجوى أصله المصدر كما في الآيات بعد، وقد يوصف به فيقال: هو نجوى. وهم نجوى، قال تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى} [الاسراء: 47] وعليه يحتمل أن يكون من باب زيد عدل.
وقرأ أبو جعفر. وأبو حيوة. وشيبة ما تكون بالتاء الفوقية لتأنيث الفاعل، والقراءة بالياء التحتية قال الزمخشري: على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي، و{مِنْ} فاصلة أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى، واختار في الكشف الثاني، فقال: هو الوجه لأن المؤنث وحده لم يجعل فاعلًا لفظًا لوجود {مِنْ} ولا معنى لأن المعنى شيء منها، فالتذكير هو الوجه لفظًا. ومعنى، وهو قراءة العامة انتهى، وإلى نحوه يشير كلام صاحب اللوامح، وصرح بأن الأكثر في هذا الباب التذكير، وتعقبه أبو حيان بالمنع وأن الأكثر التأنيث وأنه القياس قال تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ} [الأنعام: 4] {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [الحجر: 5] فتأمل، وقوله سبحانه: {إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والرابع لإضافته إلى غير مماثلة هنا عنى الجاعل المصير لهم أربعة أي ما يكونون في حال من الأحوال إلا في حال تصيير الله تعالى لهم أربعة حيث أنه عز وجل يطلع أيضًا على نجواهم، وكذا قوله تعالى: {وَلاَ خَمْسَةٍ} أي ولا نجوى خمسة {إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى} أي ولا نجوى أدنى {مّن ذلك} أي مما ذكر كالاثنين والأربعة {وَلاَ أَكْثَرَ} كالستة وما فوقها.
{إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} يعلم ما يجري بينهم {أَيْنَ مَا كَانُواْ} من الأماكن، ولو كانوا في بطن الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قربًا وبعدًا، وفي الداعي إلى تخصيص الثلاثة والخمسة وجهان: أحدهما أن قومًا من المنافقين تخلفوا للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين ثلاثة وخمسة، فقيل: ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة كما ترونهم يتناجون كذلك ولا أدنى من عددهم ولا أكثر إلا والله تعالى معهم يعلم ما يقولون. فالآية تعريض بالواقع على هذا، وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في ربيعة. وحبيب ابني عمرو. وصفوان بن أمية كانوا يومًا يتحدثون فقال: أحدهم أترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضًا ولا يعلم بعضًا، وقال الثالث: إن كان يعلم بعضا فهو يعلمه كله أي لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها لأن كونه عالمًا بغير سبب ثابت له مع كل معلوم، والثاني أنه قصد أن يذكر ما جرت عليه العادة من اعداد أهل النجوى والجالسين في خلو للشورى والمنتدبون لذلك إنما هم طائفة مجتباة من أولي الأحلام والنهي، وأول عددهم الاثنان فصاعدًا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال، وحكم به الاستصواب، فذكر عز وجل الثلاثة والخمسة، وقال سبحانه: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ} فدل على الاثنين والأربعة، وقال تعالى: {وَلاَ أَكْثَرَ} فدل على ما يلي هذا العدد ويقاربه كذا في الكشاف.
وفي الكشف في خلاصة الوجه الثاني أنه خص العددان على المعتاد من عدد أهل النجوى فإنهم قليلو العدد غالبًا فلزم أن يخص بالذكر نحو الثلاثة والأربعة إلى الثمانية والتسعة فأوثر الثلاثة ليكون قوله تعالى: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ} دالا على ما تحتها إذ لو أوثر الأربعة والستة مثلا كان الأدنى الثلاثة دون الاثنين إلا على التوسع ولما أوثرت جيء بالخمسة لتناسب الوترين وكان الأمر دائرًا بين الثلاثة والخمسة والأربعة والستة فأوثرا بالتصريح لذلك، ولأنه تعالى وتريحب الوتر انتهى.
وقد يقال: إن التناجي يكون في الغالب للشورى وهي لا تكون إلا بين عدد وأهلها قليلو العدد غالبًا، والأليق أن يكون وترًا من الأعداد كالثلاثة والخمسة والسبعة والتسعة ليتحقق عند الاختلاف طرف يترجح بالزيادة على الطرف الآخر فيرجع إليه دونه كما هو العادة اليوم عند اختلاف أهل الشورى.
وجعل عمر رضي الله تعالى عنه الشورى في ستة لانحصار الأمر فيهم كما يدل عليه قوله لهم: نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنكم راض، ومع هذا أمر ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنه أن يحضر معهم وإن لم يكن له من أمر الخلافة شيء، فدار الأمر بعد اعتبار ما ذكر من وترية العدد وقلته بين الثلاثة والخمسة والسبعة والتسعة فاختيرت الثلاثة لأنها أول الأوتار العددية وإذا ضربت في نفسها حصل منتهاها من الآحاد ولا يخلو منها اعتبار كل ممكن حتى أن المطالب الفكرية للمتناجين مثلًا لا تتم بدون ثلاثة أشياء: الموضوع.
والمحمول. والحدّ الأوسط بل القضية التي تناجى لها لابد فيها من ثلاثة أجزاء، والخمسة لأنها عدد دائر لا تنعدم بالضرب في نفسها، وكذا بضرب الحاصل في نفسه إلى ما لا يتناهى فلها شبه بالثلاثة من حيث أنها دائرة مع مراتب الضرب لا تنعدم أصلًا كما أن الثلاثة دائرة مع اعتبارات الممكن لا تنعدم أصلًا، ومع ذلك هي عدد المشاعر التي يحتاج إليها في التناجي، وكذا عدد الحواس الظاهرة، ويدخل ما عداهما في عموم قوله تعالى: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} ولا يدخل في العموم الواحد لأن التناجي للمشاورة لابد فيه من اثنين فأكثر، ومن أدخله لم يعتبر التناجي لها ولا يضر دخول الأشفاع فيه لأن أليقية كون المتناجين وترًا إنما كانت نكتة للتصريح بالعددين السابقين ولا تأبى تحقق النجوى في الأشفاع كما لا يخفى.
وادعى ابن سراقة أن النجوى مختصة بما كان بين أكثر من اثنين وأن ما يكون بين اثنين يسمى سرارًا، وقال ابن عيسى: كل سرار نجوى، وفي الآية لطائف وأسرار لا يعقلها إلا العالمون فليتأمل.
وقرأ ابن أبي عبلة {ثلاثة} و{خَمْسَةٍ} بالنصب على الحال بإضمار يتناجون يدل عليه نجوى، أو على تأويل نجوى تناجين ونصبهما من المستكن فيه، وفي مصحف عبد الله إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا انتجوا وقرأ الحسن. وابن أبي إسحق. والأعمش. وأبو حيوة. وسلام. ويعقوب {وَلاَ أَكْثَرَ} بالرفع قال الزمخشري: على أنه معطوف على محل لا أدنى كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة، ويجوز أن يعتبر {أدنى} مرفوعًا على هذه القراءة ورفعهما على الابتداء، والجملة التي بعد {إِلا} هي الخبر، أو على العطف على محل {مِن نجوى} أنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، و{أَكْثَرَ} على قراءة الجمهور يحتمل أن يكون مجرورًا بالفتح معطوفًا على لفظ {نجوى} كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، وأن يكون مفتوحًا لأن {لا} لنفي الجنس، وقرأ كل من الحسن.
ويعقوب أيضًا. ومجاهد. والخليل بن أحمد ولا أكبر بالباء الموحدة والرفع وهو على ما سمعت {ثُمَّ يُنَبّئُهُم بما عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة} تفضيحًا لهم وإظهارًا لما يوجب عذابهم.
وقرىء {يُنَبّئُهُمُ} بالتخفيف والهمز، وقرأ زيد بن علي بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء.
{أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} لأن نسبة ذاته المقتضى للعلم إلى الكل على السواء، وقد بدأ الله تعالى في هذه الآيات بالعلم حيث قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ} الخ، وختم جل وعلا بالعلم أيضًا حيث قال الله تعالى: {إِنَّ الله} الخ، ومن هنا قال معظم السلف فيما ذكر في البين من قوله عز وجل: {رَّابِعُهُمْ} و{سَادِسُهُمْ} و{مَعَهُمْ} أن المراد به كونه تعالى كذلك بحسب العلم مع أنهم الذين لا يؤوّلون، وكأنهم لم يعدّوا ذلك تأويلًا لغاية ظهوره واحتفافه بما يدل عليه دلالة لا خفاء فيها، ويعلم من هذا أن ما شاع من أن السلف لا يؤولون ليس على إطلاقه.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون دون المؤمنين وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم يوهمونهم عن أقاربهم أنهم أصابهم شر فلا يزالون كذلك حتى تقدم أقاربهم فلما كثر ذلك منهم شكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنهاهم أن يتناجوا دون المؤمنين فعادوا لمثل فعلهم، وقال مجاهد نزلت في اليهود.
وقال ابن السائب: في المنافقين، والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والهمزة للتعجيب من حالهم، وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة، وقوله تعالى: {ويتناجون بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول} عطف عليه داخل في حكمه أي ويتناجون بما هو إثم في نفسه ووبال عليهم وتعدّ على المؤمنين وتواص خالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكره عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهين وإليه صلى الله عليه وسلم لزيادة تشنيعهم واستعظام معصيتهم.
وقرأ حمزة. وطلحة. والأعمش. ويحيى بن وثاب. ورويس وينتجون بنون ساكنة بعد الياء وضم الجيم مضارع انتجى، وقرأ أبو حيوة العدوان بكسر العين حيث وقع، وقرئ معصيات بالجمع ونسبت فيما بعد إلى الضحاك {وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بما لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله} صح من رواية البخاري. ومسلم. وغيرهما عن عائشة «أن ناسًا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم فقال عليه الصلاة والسلام: وعليكم، قالت عائشة: وقلت: عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم» وفي رواية «عليكم السام والذام واللعنة، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش، فقلت: ألا تسمعهم يقولون: السام؟ا فقال صلى الله عليه وسلم: أو ما سمعت أقول: وعليكم؟ا فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا جاؤك}» الآية.
وأخرج أحمد. والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية {بالشاكرين وَإِذَا جَاءكَ} الخ، والسام قال ابن الأثير: المشهور فيه ترك الهمز ويعنون به الموت، وجاء في رواية مهموزًا ومعناه أنكم تسأمون دينكم، وصرح الخفاجي بأنه عنى الموت عبراني، ولم يذكر فيه الهمز وتركه.
وقال الطبرسي: من قال: السام الموت فهو من سأم الحياة بذهابها وهذا إرجاع له إلى المهموز، وجعل البيضاوي من التحية التي لم يحيه بها الله تعالى تحيتهم له عليه الصلاة والسلام بأنعم صباحًا وهي تحية الجاهلية كعم صباحًا ولم نقف على أثر في ذلك، وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ} أي فيما بينهم، وجوز إبقاؤه على ظاهره {لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله بما نَقُولُ} أي هلا يعذبنا الله تعالى بسبب ذلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا أي لو كان نيًا عذبنا الله تعالى بسبب ما نقول من التحية أوفق بالأول لأن أنعم صباحًا دعاء بخير والعدول إليه عن تحية الإسلام التي حيا الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشير إليها بقوله تعالى: {سلام على المرسلين} [الصافات: 181] {وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} [النمل: 59] وما جاء في التشهد «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» ليس فيه كثير إثم يتوقع معه التعذيب الدنيوي حتى أنهم يقولون ذلك إذا لم يعذبوا اللهم إلا إذا انضم إليه أنهم قصدوا بذلك تحقيرًا وإعلانًا بعدم الاكتراث، ولعل قائل ذلك هم المنافقون من المشركين وهو أظهر من كون قائله اليهود، وحكم التحية به اليوم أنها خلاف السنة، والقول بالكراهة غير بعيد.
وفي تحفة المحتاج لا يستحق مبتدي بنحو صبحك الله بالخير أو قواك الله جوبًا ودعاؤه له في نظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله له تأديبه لتركه سنة السلام انتهى، وأنعم صباحًا نحو صبحك الله بالخير، غاية ما في الباب أنه دعاء كان يستعمل تحية في الجاهلية، نعم تحيتهم به له عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي قصدوه حرام بلا خلاف {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} عذابًا {يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها أو يقاسون حرها أو يصطلون بها.
{فَبِئْسَ المصير} أي جهنم.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)}
{المصير ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} في أنديتكم وفي خلواتكم.
{فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول} كما يفعله المنافقون، فالخطاب للخلص تعريضًا بالمنافقين، وجوز جعله لهم وسموا مؤمنين باعتبار ظاهر أحوالهم.
وقرأ الكوفيون. والأعمش. وأبو حيوة. ورويس فلا تنتجوا مضارع انتجى، وقرأ ابن محيصن فلا تناجوا بادغام التاء في التاء، وقرئ بحذف إحداهما {وتناجوا بالبر والتقوى} بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم {واتقوا} فيما تأتون وما تذرون {الله الذى إِلَيْهِ} وحده لا إلى غيره سبحانه استقلالًا أو اشتراكًا {تُحْشَرُونَ} فيجازيكم على ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8